سورة المائدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ} أي: على آثار النبيين الذين أسلموا، {بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ}.
أي: في الإنجيل، {هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا} يعني الإنجيل، {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} قرأ الأعمش وحمزة {ولِيحكمَ} بكسر اللام وفتح الميم، أي لكي يحكم، وقرأ الآخرون بسكون اللام وجزم الميم على الأمر، قال مقاتل بن حيان: أمر الله الربانيين والأحبار أن يحكموا بما في التوراة، وأمر القسيسين والرهبان أن يحكموا بما في الإنجيل، فكفروا وقالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الخارجون عن أمر الله تعالى.
قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} يا محمد {الْكِتَابَ} القرآن، {بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} أي: من الكتب المنزلة من قبل، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} روى الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أي شاهدا عليه وهو قول مجاهد وقتادة والسدي والكسائي.
قال حسان:
إن الكتاب مهيمن لنبينا *** والحق يعرفه ذوو الألباب
يريد: شاهدا ومصدقا.
وقال عكرمة: دالا وقال سعيد بن جبير وأبو عبيدة، مؤتمنا عليه، وقال الحسن: أمينا وقيل: أصله مؤيمن، مفيعل من أمين، كما قالوا: مبيطر من البيطار، فقلبت الهمزة هاء، كما قالوا: أرقت الماء وهرقته، وإيهات وهيهات، ونحوها. ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج: القرآن أمين على ما قبله من الكتب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا.
وقال سعيد بن المسيب والضحاك قاضيا، وقال الخليل: رقيبا وحافظا، والمعاني متقاربة، ومعنى الكل: أن كل كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى، وما لا فلا. {فَاحْكُمْ} يا محمد، {بَيْنَهُمْ} بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك، {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} بالقرآن، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} أي لا تعرض عما جاءك من الحق ولا تتبع أهواءهم، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال ابن عباس والحسن ومجاهد: أي سبيلا وسنة، فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح، وكل ما شرعت فيه فهو شريعة وشرعة، ومنه شرائع الإسلام لشروع أهلها فيها، وأراد بهذا أن الشرائع مختلفة، ولكل أهل ملة شريعة.
قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى وأمه عيسى وأمه محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، للتوراة شريعة والإنجيل شريعة وللفرقان شريعة، والدين واحد وهو التوحيد. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: على ملة واحدة، {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم، {فِي مَا آتَاكُمْ} من الكتب وبين لكم من الشرائع فيتبين المطيع من العاصي والموافق من المخالف، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فبادروا إلى الأعمال الصالحة، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.


قوله عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من رؤساء اليهود بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك لم يخالفنا اليهود، وإن بيننا وبين الناس خصومات فنحاكمهم إليك فاقض لنا عليهم نؤمن بك، ويتبعنا غيرنا، ولم يكن قصدهم الإيمان، وإنما كان قصدهم التلبيس ودعوته إلى الميل في الحكم فأنزل الله عز وجل الآية. {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: أعرضوا عن الإيمان والحكم بالقرآن، {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} أي: فاعلم أن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يعني اليهود، {لَفَاسِقُونَ}.
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} قرأ ابن عامر {تبغون} بالتاء وقرأ الآخرون بالياء، أي: يطلبون، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} اختلفوا في نزول هذه الآية وإن كان حكمها عاما لجميع المؤمنين.
فقال قوم: نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول، وذلك أنهما اختصما، فقال عبادة: إن لي أولياء من اليهود كثير عددهم شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وولاية اليهود، ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله: لكني لا أبرأ من ولاية اليهود، لأني أخاف الدوائر، ولا بد لي منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه، قال: إذًا أقبل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال السدي: لما كانت وقعة أحد اشتدت على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار فقال رجل من المسلمين: أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أمانا إني أخاف أن يدال علينا اليهود، وقال رجل آخر: أما أنا فألحق بفلان النصراني من أهل الشام وآخذ منه أمانا، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهما.
وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة حين حاصرهم فاستشاروه في النزول، وقالوا: ماذا يصنع بنا إذا نزلنا، فجعل أصبعه على حلقه أنه الذبح، أي: يقتلكم، فنزلت هذه الآية.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في العون والنصرة ويدهم واحدة على المسلمين، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} فيوفقهم ويعنهم {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: نفاق يعني عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين الذين يوالون اليهود، {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} في معونتهم وموالاتهم، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} دولة، يعني: أن يدول الدهر دولة فنحتاج إلى نصرهم إيانا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا، وقيل: نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه من جدب وقحط فلا يعطونا الميرة والقرض، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} قال قتادة ومقاتل: بالقضاء الفصل من نصر محمد صلى الله عليه وسلم على من خالفه، وقال الكلبي والسدي: فتح مكة، وقال الضحاك: فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك، {أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} قيل: بإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو عذاب لهم، وقيل: إجلاء بني النضير، {فَيُصْبِحُوا} يعني هؤلاء المنافقون، {عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ} من موالاة اليهود ودس الأخبار إليهم، {نَادِمِينَ}.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13