قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ} أي: على آثار النبيين الذين أسلموا، {بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ}.أي: في الإنجيل، {هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا} يعني الإنجيل، {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} قرأ الأعمش وحمزة {ولِيحكمَ} بكسر اللام وفتح الميم، أي لكي يحكم، وقرأ الآخرون بسكون اللام وجزم الميم على الأمر، قال مقاتل بن حيان: أمر الله الربانيين والأحبار أن يحكموا بما في التوراة، وأمر القسيسين والرهبان أن يحكموا بما في الإنجيل، فكفروا وقالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الخارجون عن أمر الله تعالى.قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} يا محمد {الْكِتَابَ} القرآن، {بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} أي: من الكتب المنزلة من قبل، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} روى الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أي شاهدا عليه وهو قول مجاهد وقتادة والسدي والكسائي.قال حسان:إن الكتاب مهيمن لنبينا *** والحق يعرفه ذوو الألبابيريد: شاهدا ومصدقا.وقال عكرمة: دالا وقال سعيد بن جبير وأبو عبيدة، مؤتمنا عليه، وقال الحسن: أمينا وقيل: أصله مؤيمن، مفيعل من أمين، كما قالوا: مبيطر من البيطار، فقلبت الهمزة هاء، كما قالوا: أرقت الماء وهرقته، وإيهات وهيهات، ونحوها. ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج: القرآن أمين على ما قبله من الكتب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا.وقال سعيد بن المسيب والضحاك قاضيا، وقال الخليل: رقيبا وحافظا، والمعاني متقاربة، ومعنى الكل: أن كل كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى، وما لا فلا. {فَاحْكُمْ} يا محمد، {بَيْنَهُمْ} بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك، {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} بالقرآن، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} أي لا تعرض عما جاءك من الحق ولا تتبع أهواءهم، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال ابن عباس والحسن ومجاهد: أي سبيلا وسنة، فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح، وكل ما شرعت فيه فهو شريعة وشرعة، ومنه شرائع الإسلام لشروع أهلها فيها، وأراد بهذا أن الشرائع مختلفة، ولكل أهل ملة شريعة.قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى وأمه عيسى وأمه محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، للتوراة شريعة والإنجيل شريعة وللفرقان شريعة، والدين واحد وهو التوحيد. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: على ملة واحدة، {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم، {فِي مَا آتَاكُمْ} من الكتب وبين لكم من الشرائع فيتبين المطيع من العاصي والموافق من المخالف، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فبادروا إلى الأعمال الصالحة، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.